يشهد القطاع التقني العالمي تحولًا جذريًا تقوده ثورة الذكاء الاصطناعي التوليدي، لكن هذا التقدم يواجه تحديًا جوهريًا، وهو الحاجة المُلحة إلى نماذج تتجاوز الأطر الغربية العامة وتغوص في عمق الثقافة والهوية المحلية.
وفي استجابة إستراتيجية لذلك، أعلنت شركة (هيوماين) Humain، التي يملكها صندوق الاستثمارات العامة السعودي، شراكة عالمية مع شركتي أدوبي وكوالكوم، بهدف تطوير جيل جديد من الذكاء الاصطناعي التوليدي المصمم خصوصًا للغة العربية والثقافة الإقليمية، يفتح آفاقًا جديدة للإبداع الرقمي العربي.
لا يُعدّ هذا التحالف الثلاثي مجر صفقة تجارية عابرة، بل هو خطوة إستراتيجية تعكس التحول العميق، الذي تقوده المملكة العربية السعودية نحو بناء منظومة ذكاء اصطناعي عربية، قادرة على المنافسة عالميًا، وذات قدرة على فهم السياق الثقافي العربي، لغويًا وفكريًا وتراثيًا.
ويأتي هذا التعاون ضمن سلسلة من الاتفاقيات، التي تشهدها العاصمة واشنطن، بالتزامن مع زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة، إذ التقى سموه بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب في لقاء جمع قادة من قطاع الأعمال والتقنية.
ويبرز في ظل هذه التحركات الرفيعة المستوى، تحالف هيوماين وأدوبي وكوالكوم بوصفه أحد أكثر المشاريع تأثيرًا في مستقبل المحتوى العربي والابتكار الإقليمي.
ذكاء اصطناعي توليدي يفهم اللغة والروح العربية:
أبرز ما يميز هذا التحالف هو إدماج نموذج (علّام) النموذج اللغوي الضخم المدرّب بعمق على اللغة العربية، في حزمة تطبيقات أدوبي الإبداعية المستخدمة عالميًا في التسويق وصناعة السينما والإنتاج التلفزيوني.
وبذلك ستتمكن أكثر أدوات إنتاج المحتوى انتشارًا في العالم من فهم اللغة العربية بعمق، وليس معالجتها سطحيًا كما يحدث مع النماذج العالمية الحالية.
وفي المقابل، ستستخدم هيوماين منصة (Adobe Firefly Foundry) لتطوير نماذج ذكاء توليدي مصممة خصوصًا للعالم العربي، تعكس خصوصيته اللغوية والثقافية، وتتناسب مع احتياجات المبدعين وصنّاع المحتوى والمؤسسات في المنطقة.
وقد لخص طارق أمين، الرئيس التنفيذي لشركة (هيوماين)، هذه الرؤية بقوله: “نحن نبني ذكاءً إبداعيًا جديدًا يفهم لغتنا وقيمنا وتراثنا ومستقبلنا بالتعاون مع أدوبي”.
كوالكوم.. توفير القوة الحاسوبية ودعم البنية التحتية:
يُعدّ دور شركة كوالكوم في هذا التحالف مهمًا لتمكين هذه النماذج على أرض الواقع، إذ ستعمل أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تطورها هيوماين في مراكز البيانات السعودية باستخدام شرائح كوالكوم الجديدة والمتقدمة، وتحديدًا من طراز AI200 و AI250.
وستتولى شرائح كوالكوم مهمة معالجة المحتوى المرئي، الناتج عن النماذج التي تطورها هيوماين، مما يضمن كفاءة وسرعة فائقة في الأداء.
توسع إستراتيجي.. مركز الأبحاث والتطوير في الرياض
تُعزز هذه الشراكة مكانة المملكة كمركز للابتكار عبر تأسيس بنية تحتية للأبحاث، إذ تخطط كوالكوم لافتتاح مركز للأبحاث والتطوير بالشراكة مع هيوماين في العاصمة الرياض الشهر المقبل.
وسيدعم هذا المركز خطط الشركتين لنشر قدرة حوسبة تصل إلى 200 ميجاواط العام المقبل، مما يؤكد ضخامة الاستثمار التقني.
كما يعني ذلك أن المنطقة لن تستهلك نماذج الذكاء التوليدي فحسب، بل ستبنيها وتدربها وتشغلها داخل حدودها، في نقلة إستراتيجية تمنح الشرق الأوسط استقلالية تقنية ونفوذًا جديدًا في سباق الذكاء الاصطناعي.
ماذا يعني هذا للمستقبل؟
يمثل هذا التحالف الثلاثي قفزة نوعية تحمل آثارًا عميقة تتجاوز نطاق الأعمال إلى الأبعاد الإستراتيجية والثقافية:
بداية عصر إبداعي عربي جديد
تنتقل المملكة العربية السعودية من خلال هذا التعاون الثلاثي غير المسبوق، من مستهلك للتقنية إلى شريك فعال ومصمم رئيسي لمستقبل الذكاء الاصطناعي التوليدي، إذ إن إدماج القوة الإبداعية لأدوبي مع براعة كوالكوم في الشرائح الحاسوبية، والقيادة الاستثمارية والتنفيذية لهيوماين يضمن أن تكون اللغة العربية والقيم المحلية جزءًا أصيلاً من الثورة التكنولوجية القادمة.
