ترندات

أسعار النفط تخسر أكثر من 20% بعد 100 يوم من رئاسة ترامب

بعد مرور مائة يوم فقط على بداية الولاية الثانية للرئيس “دونالد ترامب”، سجلت أسعار النفط تراجعاً حاداً تجاوز نسبة 20%، لتنخفض إلى ما دون مستويات التعادل لعدد كبير من المنتجين الأمريكيين، ويأتي هذا الانخفاض في ظل تزايد حالة عدم اليقين المحيطة بالسياسات التجارية والرسوم الجمركية، ما تسبب في تآكل ثقة المستثمرين وأضعف جهود الإدارة الأميركية لتعزيز هيمنتها على قطاع الطاقة العالمي.

وكان ترامب قد ركّز في حملته الانتخابية علي شعار “احفروا يا صغار، احفروا”، مؤكداً عزمه على تعظيم إنتاج النفط والغاز المحلي منذ اليوم الأول لتوليه منصبه فى 20 يناير، في وقت تحتفظ فيه الولايات المتحدة بمكانتها كأكبر منتج للطاقة في العالم، إلا أن السياسات الحمائية التي تبنتها الإدارة الأميركية أفضت إلى تراجع التوقعات المتعلقة بنمو الطلب العالمي على النفط، في حين انعكس الهبوط الحاد في أسعار الطاقة سلباً على آفاق القطاع وبيئة الاستثمار فيه.

تراجع سعر تداول النفط الأمريكى إلي نحو 60 دولار للبرميل، وهو أدنى مستوى تُسجله منذ تفشي جائحة كوفيد 19، وأقل من عتبة 65 دولار التي يعتبرها العديد من منتجي النفط الحد الأدنى لتحقيق الربحية، وجاء أكثر من نصف هذا التراجع في أعقاب ما وصفه الرئيس ترامب بـ”يوم التحرير” في الثاني من أبريل، حيث أعلن عن فرض رسوم جمركية بنسبة لا تقل عن 10% على الواردات الأمريكية، ما عزز المخاوف من تباطؤ الاقتصاد العالمى.

وفي هذا السياق، صرّح مدير مركز تحليل أنظمة الطاقة والبيئة بجامعة تكساس في أوستن “بن كاهيل” قائلاً: لقد تدهورت البيئة الاقتصادية العامة بشكل ملحوظ بسبب الرسوم الجمركية وحالة عدم اليقين السياسي، مضيفًا أن تحقيق الهيمنة في قطاع الطاقة يتطلب بالضرورة الحفاظ على ثقة المستثمرين.

اتخذت إدارة الرئيس “دونالد ترامب” إجراءات صارمة تمثلت في فرض عقوبات تستهدف صادرات النفط الإيرانية بما في ذلك منشآت الطاقة المرتبطة بالصين، في إطار مساعٍ لمنع طهران من تطوير قدرات نووية أو تمويل جماعات مسلحة في الشرق الأوسط، وعلى الرغم من أن هذه العقوبات أسهمت جزئيًا في دعم أسعار النفط، فإنها في الوقت ذاته عمّقت حالة عدم اليقين في الأسواق العالمية.

وفي ظل استمرار الرسوم الجمركية الأمريكية، قامت مؤسسات مثل إدارة معلومات الطاقة الأمريكية ووكالة الطاقة الدولية ومنظمة أوبك، إلى جانب عدد من البنوك الكبرى، بتخفيض توقعاتها لأسعار النفط ومعدلات نمو الطلب.

وقد ساهم قرار تحالف “أوبك بلس” بتسريع وتيرة زيادة الإنتاج خلال فصل الربيع في تفاقم الانخفاض الحاد في الأسعار، وعلى الرغم من ذلك، كان الرئيس ترامب قد طالب (بعد أيام فقط من توليه منصبه) المملكة العربية السعودية وأوبك بخفض أسعار النفط.

في ظل الانخفاض الحاد في أسعار النفط، بدأ المنتجون الأميركيون في تقليص أنشطة حفر الآبار الجديدة، رغم أنهم كانوا يضخون نحو 13.4 مليون برميل يوميًا في شهر أبريل، ومن المتوقع أن يصل الإنتاج إلى 13.5 مليون برميل يوميًا في عام 2025 وهو مستوى أدنى من التقديرات السابقة.

ومن جهتها، صرّحت وزارة الطاقة بأن الرئيس ترامب ووزير الطاقة “كريس رايت” ملتزمان بتوسيع البنية التحتية للطاقة في الولايات المتحدة، وذلك في رد على طلب للتعليق بشأن التطورات الأخيرة.

فيما يلي تحليل للعوامل التي تؤثر على أسعار النفط:

1 .الرسوم الجمركية تُخلق حالة من عدم اليقين الاقتصادي

أثارت الرسوم الجمركية الشاملة مخاوف من أن الحواجز التجارية قد تُبطئ الاقتصاد العالمي، حيث يرتبط الطلب على النفط ارتباطًا وثيقًا بالازدهار الاقتصادي، فعندما تزدهر الاقتصادات وتفتح الشركات مصانعها ويشتري الناس السلع ويتنقلون يرتفع استهلاك النفط، وعندما تتراجع الاقتصادات ينخفض ​​الطلب على النفط أيضًا.

يقول محللون في شركة ريستاد إنرجي للأبحاث إن استمرار الحرب التجارية في عام 2025 قد يُخفض النمو المتوقع في الطلب الصيني على النفط إلى النصف، حيث أن وضع الرسوم الجمركية غير اعتيادي لدرجة أن مقارنة هذا العام بالعام الماضي أصبح غير ذات صلة إلى حد كبير.

2 .أوبك بلس تُضخّ المزيد من براميل النفط في السوق

في غضون ذلك، وبينما تُثار مخاوف بشأن انخفاض الطلب على النفط، من المُتوقع أن يرتفع الإنتاج.

فقد أصدرت منظمة أوبك وحلفاؤها المعروفون مجتمعين باسم أوبك بلس، سلسلة من الإعلانات خلال الأشهر القليلة الماضية، حيث زاد كلٌ منها إنتاج المجموعة من النفط، ومؤخرًا في 3 مايو أعلن بعض أعضاء المنظمة الذين تطوعوا سابقًا بخفض إنتاجهم أنهم سيُلغون بعضًا من تلك التخفيضات، أدى هذا الخبر إلى انخفاض سوق النفط على الفور حيث لامست الأسعار أدنى مستوياتها في 4 سنوات قبل أن تتعافى.

في بيان صحفي، أكدت أوبك بلس أن قرارها يستند إلى “أساسيات السوق السليمة حاليًا”، مُشيرةً إلى أنه في حين أدت المخاوف بشأن المستقبل إلى انخفاض أسعار النفط، فإن الطلب اليوم لا يزال ثابتًا.

يعتقد المحللون أن الأمر يتجاوز ذلك، تتفق الدول الأعضاء في أوبك بلس على حصص الإنتاج وعندما يلتزم الجميع بها، يُبقي ذلك العرض محدودًا والأسعار مرتفعة، لكن البيانات تُظهر أن بعض أعضاء المجموعة يتجاوزون تلك الحصص، وهذه مشكلة متكررة تواجهها أوبك بلس فكل دولة لديها حافز لإنتاج المزيد، حتى مع استفادة المجموعة ككل إذا انخفض إنتاجها جميعًا.

قبل اجتماع أوبك بلس الأخير، توقع محللون أن المملكة العربية السعودية (القائد الفعلي لأوبك بلس) قد تحث المجموعة على زيادة الإنتاج وخفض الأسعار في محاولة للضغط على الدول الأعضاء في أوبك بما في ذلك العراق وكازاخستان للالتزام بالحصص، وبالفعل، أمرت المجموعة بزيادة الإنتاج.

3 .نعمة للمستهلكين وضربة للمنتجين

انخفاض أسعار النفط يعني انخفاضًا في أسعار الوقود، عادةً ما ترتفع أسعار البنزين في الربيع لكنها انخفضت في أبريل وقد تنخفض أكثر، وهذا يعني المزيد من المال في جيوب السائقين الأمريكيين.

يؤدي انخفاض أسعار الوقود أيضًا إلى انخفاض أسعار السلع مثل سعر الفضة والذهب بشكل عام لأنه يجعل الشحن أرخص، وتقدر شركة بانثيون للاقتصاد الكلي أن الانخفاضات الأخيرة في أسعار النفط ستؤدي إلى انخفاض أسعار المستهلك الرئيسية بنحو 0.3% مقارنةً بما كانت، لكن بانثيون تقدر أيضًا أن هذه الفائدة ستتلاشى (على المستوى الوطني) بسبب الضربة التي سيتلقاها منتجو النفط الذين سيخفضون الإنفاق والتوظيف، مما سيؤثر سلبًا على الاقتصاد.

الولايات المتحدة هي أكبر منتج للنفط في العالم، ورغم أن الشركات الأمريكية ليست طرفًا في مفاوضات أوبك بلس، إلا أنها تتأثر بشدة بقرارات المنظمة.

كيف تؤثر العوامل الجيوسياسية على أسعار النفط؟

لا تزال التوترات الجيوسياسية تلعب دورًا هامًا في تشكيل أسعار النفط الخام اليوم، مما يخلق مخاطر وفرصًا في ظل تحديات الطاقة العالمية.

التوترات الجيوسياسية الحالية

أحدثت تهديدات ترامب بشأن روسيا وإيران تقلبات كبيرة في السوق، وقد أثارت هذه التصريحات مخاوف بشأن عقوبات محتملة أو تدابير سياسية أخرى قد تعطل تدفقات النفط العالمية، في الوقت نفسه، خلقت التساؤلات حول الطلب الصيني وتأثير الرسوم الجمركية المحتملة على السلع الصينية حالة من عدم اليقين بشأن أنماط الاستهلاك المستقبلية في إحدى أكبر الدول المستوردة للنفط في العالم.

لا تزال قرارات التسعير والإنتاج التي تتخذها المملكة العربية السعودية محورية في ديناميكيات سوق النفط العالمية، وبصفتها القائد الفعلي لمنظمة أوبك، يمكن أن يكون للتحولات في سياسات المملكة آثار هائلة على الأسعار العالمية، وتدل المؤشرات الأخيرة إلى أن المملكة العربية السعودية تُعدّل استراتيجيتها استجابةً لتغيرات ظروف السوق، مما قد يُمهد الطريق لزيادة الإنتاج.

تُضيف تدفقات النفط الروسي المُحتملة إلى السوق مستوى آخر من التعقيد، فعلى الرغم من العقوبات الغربية، لا يزال الخام الروسي يجد مشترين، لا سيما في الأسواق الآسيوية، مما يؤثر على توازنات العرض العالمية.

انقطاعات الإمدادات الإقليمية

تُسبب العديد من الصراعات والنزاعات الإقليمية انقطاعات محلية في الإمدادات، تواصل روسيا وأوكرانيا تبادل الاتهامات بشن هجمات على البنية التحتية للطاقة، مما يثير مخاوف بشأن انقطاعات محتملة في إمدادات الطاقة الأوروبية، ويسعى العراق إلى استئناف المحادثات بشأن استعادة صادرات نفط كردستان والتي قد تضيف كميات كبيرة إلى السوق في حال حُسمت.

يؤثر حكم قضائي روسي حديث بشأن قدرة تحالف خط أنابيب بحر قزوين (CPC) على قدرة كازاخستان على تصدير النفط الخام إلى الأسواق العالمية، في غضون ذلك، يُسلط قرار الهند برفض استقبال ناقلة نفط روسية الضوء على الطبيعة المتطورة للعقوبات وتأثيرها على رؤى السلع العالمية.

تُمثل أول جولة مناقصة نفطية في ليبيا منذ 18 عامًا (والتي تُقدم عقود تقاسم الإنتاج) فرصةً محتملة لزيادة الإنتاج من هذا العضو في أوبك، على الرغم من أن عدم الاستقرار السياسي لا يزال يُثير حالة من عدم اليقين بشأن توقعات إنتاج البلاد.

ما هي ديناميكيات العرض والطلب؟

لا يزال التفاعل بين العرض والطلب العالميين على النفط يُشكل أسعار النفط الخام اليوم، مع تطور اتجاهات الإنتاج وأنماط الاستهلاك استجابةً لظروف السوق.

اتجاهات الإنتاج الحالية

حافظ عدد منصات الحفر الأمريكية على استقرار ملحوظ عند 486 منصة، متراوحًا بين 472 و488 منصة لمدة 41 أسبوعًا متتاليًا، يشير هذا الاستقرار إلى أن المنتجين الأمريكيين يُحافظون على نهج منضبط في الإنفاق الرأسمالي على الرغم من تقلبات الأسعار، يضم حوض برميان وهو أكثر مناطق النفط إنتاجية في أمريكا 300 منصة حفر نشطة حاليًا، على الرغم من الانخفاض الملحوظ في الجزء الواقع في تكساس من حوض ديلاوير.

انخفض إنتاج أوبك بمقدار 110 آلاف برميل يوميًا في مارس، وفقًا لمسح أجرته رويترز، ويعزى ذلك أساسًا إلى تخفيضات الإنتاج في العراق ونيجيريا، ويأتي هذا الانخفاض على الرغم من قرار المنظمة الأخير بالبدء في تخفيف بعض تخفيضات الإنتاج الطوعية.

توقعات الطلب

من المتوقع أن يتجاوز الطلب العالمي على النفط عتبةً كبيرة، متجاوزًا 105 ملايين برميل يوميًا لأول مرة في يونيو 2025، ومن المتوقع أن يصل ذروة الطلب إلى 105.6 مليون برميل يوميًا في أغسطس 2025، مما يعكس أنماطًا موسمية قوية في الاستهلاك العالمي.

يشهد شهر يناير عادةً انخفاضًا موسميًا في الطلب العالمي على النفط، إلا أن يناير 2025 شهد نموًا قويًا على أساس سنوي، يُظهر مسح الطاقة الصادر عن بنك دالاس الفيدرالي زيادة طفيفة في نشاط قطاع النفط والغاز في الربع الأول من عام 2025 مما يشير إلى استمرار الزخم في القطاع على الرغم من المخاوف بشأن نمو الطلب على المدى الطويل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *