كيف تتدخل بيئة الإنسان، سلبا أو إيجابا، في صناعة النجاح؟ للإجابة عن هذا السؤال لا بد من معرفة أن النجاح لا يولد في الفراغ، بل هو ثمرة بيئة، ومزيج من الحوافز والدعم والفرص، وعلى مر التاريخ نلحظ أن أغلب الناجحين خرجوا من إحدى بيئتين متناقضتين ظاهريًا، الأولى يمكن أن نطلق عليها بيئة الامتياز، والثانية بيئة التحدي.
أما بيئة الامتياز فتشمل الانتماء للعائلات الكبرى، من القادة والسياسيين أو رجال الأعمال، والمشاهير على اختلاف مجالاتهم، ففي هذه البيئة ينشأ الإنسان وسط وفرة في الموارد والعلاقات والدعم، توفر ما يمكن تسميته برأس المال الاجتماعي والمعرفي، الذي يشمل التعليم عالي الجودة، وفرص التدريب من النخبة، وسهولة الوصول إلى دوائر صنع القرار.
ورغم ما يُقال عن سهولة الطريق لهؤلاء، فإن الناجحين الحقيقيين من أبناء هذه البيئة يواجهون تحديًا مختلفًا، يتمثل في إثبات الذات في ظل توقعات عالية، وكسر الصورة النمطية بأنهم فقط «ورثوا النجاح»، وهم يدركون أنهم إما أن يكونوا امتدادًا لقصة نجاح العائلة أو نقطة ضعفها، ولذلك كثيرًا ما تراهم يسعون لبناء هويتهم الخاصة، وإنجازاتهم المستقلة، حتى داخل البيئة الداعمة.
أما البيئة الثانية فهي بيئة التحدي الناتج عن الفقر والحرمان من الدعم المادي والموارد، هم أبناء العشوائيات، أو المناطق التي تفتقر لأبسط مقومات الحياة، لكن هذه البيئة القاسية لا تقتل الطموح، بل في بعض الأحيان تشحذه وتُشعل فيه شرارة التغيير.
في مثل هذه البيئات، يولد دافع النجاح كرد فعل على القهر، وكأنه انتقام من الظروف، فهؤلاء لا يملكون الامتيازات، لكنهم يملكون ما لا يُشترى المتمثل في العزيمة، والإصرار، والإيمان بأن التغيير ممكن، وغالبًا ما يمتلكون مرونة نفسية وقدرة عالية على التكيف والابتكار، لأنهما كانتا شرطًا للبقاء.
وعلى الرغم من التناقض الظاهري بين البيئتين، فإن القاسم المشترك بين الناجحين فيهما هو الإرادة الشخصية، فالبيئة تمنح الأدوات أو الدافع، لكنها لا تُنتج النجاح وحدها، فالنجاح في النهاية هو تفاعل بين البيئة والإرادة، فإما أن تستثمر البيئة المواتية لتصل، أو أن تستثمر المعاناة لتتجاوز.
شيماء نبيل الملا